دول آسيا الوسطى
التغلغل الهندي في دول آسيا الوسطى
ربما كان الطمع والجشع ، أو الاستغلال الاقتصادي ، أو طموحات فرض
الهيمنة والسيطرة ، من أهم الدوافع التي شكلت طبيعة المصالح الهندية في
جمهوريات آسيا الوسطى ، ويعزز هذه المصالح تضارب المصالح الأمريكية
والروسية والصينية في المنطقة ، وهو سببب آخر وراء اندفاع الهند باتجاه إيجاد
موطئ قدم لها في هذه المنطقة .
وتتمحور اللعبة الهندية في آسيا الوسطى في الحصول على موطئ قدم على
صورة وجود عسكري مؤسس وقوي ، وهو ما حصلت عليه الهند من خلال فرض
سيطرتها المباشرة على قاعدة « أيني » الجوية في طاجيكستان ، وإعادة إصلاح
هذه القاعدة وتجهيزها ، وذلك بتكلفة قدرها عشرة ملايين دولار ، وهو الأمر الذي
يعكس نجاح مخططات مجموعة الصقور ومنفذي السياسة الخارجية الهندية القابعين
في أروقة صنع القرار الهندي .
ويصف المسؤولون بوزارة الدفاع الهندية هذا التحرك بأنه يهدف إلى حماية
المصالح الهندية في آسيا الوسطى ، ويحرصون على أن يتم ذلك بأيدي الهنود
أنفسهم وليس بأيدي أحد سواهم .
والسؤال الذي يتبادر إلى الذهن هو : ما هي هذه المصالح التي تطمح الهند
إلى حمايتها في آسيا الوسطى ؟ أو ما هي التهديدات التي ترى الهند أنها قد تتعرض
لها وتدفعها إلى إقامة قاعدة جوية في طاجيكستان ؟
ومن المقرر أن يقام في قاعدة « أيني » الجوية ، والتي ظلَّت بدون استخدام
منذ عام 1985م ، مدرجاً لانطلاق الطائرات المقاتلة وطائرات النقل العسكري
الضخمة . وحرص المتحدث الرسمي باسم وزارة الدفاع الطاجيكية على نفي
المعلومات المثيرة التي نشرت بتاريخ 14/11/2003م حول موضوع التعاون
العسكري الوثيق بين طاجيكستان والهند ، وأكد على أنه تعاون يقتصر على تدريب
الكوادر العسكرية الطاجيكية ، وتبادل المعلومات والخبرات والخدمات الفنية .
ويتمركز في جمهورية طاجيكستان والتي تُعَدُّ من الدول المتخلفة نسبياً حوالي
10000 جندي روسي ، يجوبون منطقة الحدود الطاجيكية مع شمال أفغانستان ،
والبالغ طولها 1206 كيلو متراً .
وتزعم الهند أن الغرض من إنشاء قاعدة جوية لها في آسيا الوسطى هو
بالدرجة الأولى لحماية مصالح الطاقة والأمن الهندية . وهذا الزعم يمكن تفنيده من
حقيقة أن اليابان ( التي تُعَدُّ معقلاً رئيساً للقوة الاقتصادية ) ؛ قد تمكنت من حماية
مصالحها الاقتصادية بدون أن تحتاج إلى إقامة قواعد عسكرية خارج حدودها .
وعلى صعيد آخر ترى المصادر الباكستانية أن الهدف من إقامة هذه القاعدة
هو العمل بالضرورة من أجل الالتفاف على باكستان والتغلب عليها في إحدى نقاط
المواجهة الإضافية ؛ على ضوء أوضاع اللاحرب واللاسلم القائمة على الحدود بين
البلدين ، والتي بدأت تشهد انفراجاً في الآونة الأخيرة بعد قيام الجنرال برويز
مشرّف بتقديم الكثير من التنازلات أمام الهند ؛ في محاولة للبدء في مفاوضات
ترفضها الأخيرة حول كشمير .
ويضاف إلى هذا التقارب الهندي - الطاجيكي ما يُوصف بالباب المفتوح أمام
الهند في أفغانستان ، والذي أصبح ممكناً من خلال التعاون الوثيق بين الهند ،
وتحالف الشمال المسيطر على الأوضاع في أفغانستان والمتمثل في ( الجنرال فهيم ،
و يونس قانوني ، ود . عبدالله عبدالله ) . وكل هذه التحركات تهدف إلى إضعاف
الموقف الدفاعي الباكستاني ، وجعل باكستان توزع دفاعاتها على حدودها الشرقية
مع الهند ، وحدودها الغربية مع أفغانستان ، وبالتالي إضعافها لدرجة القبول بالهيمنة
الهندية على المنطقة بأسرها .
وقد أعلن رئيس وزراء الهند خلال زيارته الأخيرة لطاجيكستان عن مساعدات
ودعم لهذا البلد بمقدار 40 مليون دولار ، والتي منها إلغاء ديون طاجيكية للهند
بقيمة 10 ملايين دولار ، و 5 ملايين دولار هبة هندية ، و 25 مليوناً على صورة
قروض .
وتشكّل طاجيكستان منطقة عازلة بين أفغانستان المشتعلة بالحروب دائماً ،
وبين دول آسيا الوسطى الأخرى الغنية بحقول النفط والغاز الطبيعي ، ويحتوي
حوض بحر قزوين على 100 بليون برميل من النفط . وقد قدمت الولايات المتحدة
46 مليون دولار لإقامة معاهد للتدريب على مقاومة الأنشطة الإرهابية ، وتبادل
المعلومات ، وتأسيس برلمانات في جورجيا و أوكرانيا و أزبكستان و أذربيجان .
وتطمح كل من روسيا و الصين بدورهما إلى بناء الوجود الواضح لهما في
بحر قزوين لمواجهة التقدم الأمريكي بهذا الاتجاه ؛ ولهذا فإنهما قد أقامتا « منظمة
شنغهاي للتعاون الإقليمي » ، والتي تضم بالإضافة لهما كلاً من كازخستان
وأزبكستان و قرغيزستان وطاجيكستان ، ومقرها في بكين ، ولها مركز لمكافحة
الإرهاب في بيشكيك عاصمة قرغيزستان .
إن الأهمية الجيو - سياسية لدول آسيا الوسطى والفرص الاقتصادية الضخمة
فيها ، والتي يضاف إليها احتياطي كبير من النفط والغاز الخام يجعلها منطقة جذب
للكثير من الدول الكبرى ، والتي تحاول الهند أن تصبح واحدة منها من خلال
مضاعفة قدراتها العسكرية في المجالين التقليدي وغير التقليدي ، وإيجاد قواعد
عسكرية هندية خارجية أسوة بغيرها من الدول الكبرى ، والتي لا يميزها عن الهند
سوى أن أوضاعها الاقتصادية قوية مقارنة بمعدلات الفقر المرتفعة في الهند ، والتي
تشكل أحد العوائق المهمة أمام سياسة التوسع الهندية .
وتحاول روسيا أن تدعم الوجود الهندي في آسيا الوسطى ، بل وتدافع عنه
لكي يصبح عامل توازن في وجه الوجود الأمريكي وكذلك الصيني في تلك المنطقة .
كما أن روسيا تبذل مساعي حثيثة لضم الهند إلى عضوية « منظمة شنغهاي
للتعاون الإقليمي » ، وكذلك للتعاون الأمني الوثيق في مثلث موسكو و نيودلهي
وبكين .
كما تحاول الهند أن تبسط عضلاتها الاقتصادية ، وأن تفتح لها طرقاً وسبلاً
تسلكها في دول آسيا الوسطى . وتعني الزيارات الأخيرة التي قام بها رئيس
الوزراء الهندي إلى المنطقة ؛ أن الهند تحاول أن تخرج بسياستها الخارجية عن
النطاق الضيّق الذي ظل محصوراً بفضاء علاقاتها مع الصين وباكستان . وتعتبر
احتياجات الهند المضطردة للطاقة أحد العوامل المهمة في الاندفاع الهندي باتجاه آسيا
الوسطى .
فالهند بسكّانها الذين يصل تعدادهم إلى البليون ، وباقتصادها المتنامي ؛ تُعَدُّ
سادس أكبر دول مستهلكة للطاقة . وإذا رغبت الهند في الحفاظ على نمو اقتصادها
بمعدل يتراوح ما بين 7 - 8% ؛ فإن عليها أن تزيد من استهلاكها للطاقة بنسبة 5%
سنوياً ، وهذا يتطلب جهوداً تُبذل من أجل توفير مصادر الطاقة ، والتي توجد
بمقادير كبيرة في دول آسيا الوسطى وتنتظر الاستثمارات المناسبة ، وهذه
الاستثمارات بدورها تحتاج إلى قوة عسكرية تدعمها في ظل الشتات الفكري
والعقائدي الذي تحركه عوامل كثيرة ومتضاربة في مجتمعات تلك الدول ، ومن هنا
جاء الاهتمام الهندي بإقامة قواعد عسكرية خارجية في تلك المنطقة ، والتركيز على
زيادة الارتباط معها بصورة تجعل هذا الوجود الهندي أمراً مقبولاً ، بل ومحبذاً في
كثير من الأحيان من جانب جمهوريات آسيا الوسطى .
==================
المصدر : علي محمد مطر(( مجلة البيان ـ العدد [ 196 ] صــ 78 ذو الحجة 1424 ـ فبراير 2004 ))
أضف تعليقك