سعد غازى الهوارى المدير العام
المساهمات : 699 تاريخ التسجيل : 28/08/2009 العمر : 65
| موضوع: * رمضان.. والأيام المعدودات. الخميس سبتمبر 17, 2009 5:20 am | |
| رمضان.. والأيام المعدودات الناظر إلى رمضان من خلال القرآن والسنة يشعر بأن الخيرات كل الخيرات تتدفق بين أيامه ولياليه، وأن البركات كل البركات تتفجَّر من جوانبه وقلبه وحواشيه، وأن السعادة كل السعادة تحملها للعالم الإسلامي أجمع، لحظاته ودقائقه وتوانيه، ويكفيه من الخيرات والبركات أن الله ينظر إلى عباده أول ليلة من رمضان ومن نظر الله إليه لا يعذبه أبدًا، وأن الجنة تتزين لرمضان من العام إلى العام وتنادى ربها: اللهم اجعل لي من عبادك الصائين سكانًا، وتنادي الحور العين: اللهم اجعل لي من عبادك الصائمين أزواجًا، وأن خلوف فم الصائم أطيب من ريح المسك، وأن الملائكة تستفغر للصائم حتى يفطر، وأنه إذا كانت آخر ليلة غفر الله للصائمين الصادقين جميعًا؛ لأن الصائم كالعامل، إذا أدَّى عمله وفَّاه الله أجره.
وهو شهر الصبر والمواساة، وشهر القرآن، وشهر الغفران والعتق من النيران، وشهر البر والإحسان، وغير ذلك من الفضائل الكثيرة التي ذاعت وانتشرت وفاضت بها أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم المشهورة في ذلك.
والمسلم الصادق هو الذي يحرص على أن يملأ قلبه وصدره وعقله وجوانحه من خيرات هذا الشهر وبركاته، وأن يأخذ الزاد منه الذي يبلغه مرضاة ربه، لكنَّ الصائم حين ينهض ليملأ من هذا الشهر حياته وعمره، وأوقاته ودهره، ويغرف من خيراته وبركاته قدر ما يستطيع؛ يفاجأ بأن الله عز وجل، في أول ما يصف به هذا الشهر الكريم يخبر بأنه أيامٌ معدوداتٌ، بهذا التعبير الذي يُشعرنا بمدى قصره وسرعة انتهائه وزواله، فهو أيامٌ معدوداتٌ؛ لدرجة أنه لا يخطئ في عدِّه أحدٌ، مهما كان حظُّه من التعليم أو الحساب، ومعلوم أنه لا يتعرَّض الإنسان للخطأ في الحساب إلا في الأشياء الكثيرة أو المعقَّدة، لكنه أيامٌ معدوداتٌ، فيقول: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِيْنَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُوْنَ* أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ﴾ (البقرة: 183- 184).
لكنَّ العجيب أن الله عز وجل الذى وصف الشهر الكريم بأنه أيامٌ معدوداتٌ يصف عمر الإنسانية كلها مهما طالت سنواته وأعوامه، لا بأنه أيام، ولا بأنه مجرد يوم واحد، وإنما فقط مجرد ساعة من نهار، قد تعارف الناس أثناءها، فيقول: ﴿وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلاَّ سَاعَةً مِنْ النَّهَارِ يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللهِ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ (45)﴾ (يونس)، ويقول:وهو يصبر حبيبه محمدًا صلى الله عليه وسلم على إيذاء قومه له: ﴿فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنْ الرُّسُلِ وَلا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلاَّ سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ بَلاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلاَّ الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ (35)﴾ (الأحقاف)، بل ويقسم المجرمون على ذلك يوم القيامة عندما يدركون قيمة الوقت ويعرفون حقيقة هذه الحياة ومدى قصرها إلى جانب حقيقة الآخرة ومدى طولها، فيقول: ﴿وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ كَذَلِكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ (55)﴾ (الروم)، وحين يبالغ الله عز وجل فى طول الإقامة بالدنيا يجعلها مجرد عشية من ليل او ضحى من نهار، فيقول: ﴿كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلاَّ عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا (46)﴾ (النازعات: 46).
وحين يقارن الإنسان بين الأيام المعدودات والساعة الواحدة يشعر بأن هذا الشهر أكثر زمنًا وأكبر طولاً وأعظم خيرًا وبركةً من هذه الساعة التي تمثل عمر الإنسان على حقيقته، وفي هذه الحالة يستطيع الإنسان أن يملأ من أيام رمضان المعدودات ومما فيها من الخيرات والبركات ساعته التى يعيشها، بل ويفيض ذلك الخير على من يأتي خلفًا لذلك الإنسان، الذي استطاع أن يفيد من رمضان، وأن يغتنم ويقدِّر الخير في كل لحظاته ودقائقه وثوانيه، وفي ضوء ذلك نستطيع أن نفهم قول الله تعالى: ﴿وَكَانَ أَبُوْهُمَا صَالِحًا﴾ (الكهف: 82) فهمًا جديدًا، وهو أن الآباء الصالحين حينما يغتنمون شهر الصوم يملأون منه ساعتهم التي يعيشونها، ثم يفيض بعد ذلك خيرُه على عقبهم وأبنائهم، وليس هذا ببعيد بعد أن بيَّن الله عز وجل أجمل بيان وأوضحه، بأن في هذا الشهر ليلةً واحدةً هي خير من ألف شهر من شهور حياتنا التي تخلو من هذه الليلة، وذلك في تعبير قطعي الدلالة لا يحتمل تأويلاً ولا شكًّا، ولا يقف هذا التعبير عند مجرد الظن كما يقف غيره- وهو كثير- من التعبيرات القرآنية، هذه الليلة هي ليلة القدر، إجلالاً وإعظامًا وتقديرًا للقرآن الذي نزل فيها، فيقول جل شأنه: ﴿لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ﴾ (القدر: 3).
ومما يعضِّد هذا الفهم أيضًا، أن ثواب الصوم في رمضان يتجاوز تقدير المقدِّرين وحساب الحاسبين، وظنَّ المخمِّنين، بل وكرم الكرام الكاتبين؛ لأنه هو العمل الوحيد الذي يتكفَّل الله عزَّ وجل بتقدير الثواب عليه وبيان الأجر له، وذلك بصورة تجعل ثواب بقية الأعمال في غير رمضان بجوار ثواب الصوم فيه تشبه مقدار الساعة التي تمثل عمر الإنسان في هذه الحياة بجوار الأيام المعدودات التي تمثل عِظَمَ وطول وقدر رمضان، وذلك قوله سبحانه: "كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي، وأنا أجزي به".
لهذا كان الصالحون رضوان الله عليهم يغتنمون هذا الشهر بصورة لو قيل لأحدهم إنك ستموت غدًا ما استطاع أن يزيد في أعماله شيئًا؛ لأنه يبذل في الطاعة قصارى جهده، ويقدم أقصى ما يستطيع، وليتنا نفهم قيمة أيام الصوم المعدودات، كما فهمها هؤلاء السلف رضوان الله عليهم، وعندئذٍ نستطيع أن نملأ حياتنا كلها من رمضان، رغم أنه أيامٌ معدوداتٌ.
===============
أضف تعليقك
(منقول) | |
|