سعد غازى الهوارى المدير العام
المساهمات : 699 تاريخ التسجيل : 28/08/2009 العمر : 65
| موضوع: * أطفالنا في رحاب الإسلام. الثلاثاء سبتمبر 15, 2009 4:21 pm | |
|
أطفالنا في رحاب الإسلام إن أسرتنا المسلمة صورة مصغرة لمجتمعنا الإسلامي الكبير ، وهي اللبنة الأساسية في بناء المجتمع المؤمن .. فيها تعد معاييره ومبادئه ومثله العليا ، وفي ظلها يتلقى الأطفال مشاعر الخير ، وبذور الإيمان ، وكلما نجح الأبوان في أداء هذا الواجب ، نجح المجتمع وتمكن من الوصول إلى غاياته وأهدافه . ( ولقد دلت تجارب العلماء على ماللتربية في الأسرة من أثر عميق خطير ، يتضاءل دونه أثر أية منظمة اجتماعية أخرى في تعيين الشخصيات وتشكيلها ، وخاصة خلال مرحلة الطفولة المبكرة ، أي السنوات الخمس أو الست الأولى من حياة الفرد . وذلك لأسباب عدة منها : أن الطفل في هذه المرحلة لا يكون خاضعاً لتأثير جماعة أخرى غير أسرته . ولأنه يكون فيها سهل التأثر سهل التشكل ، شديد القابلية للإيحاء والتعليم .. قليل الخبرة ، عاجزاً ضعيف الإرادة قليل الحيلة .. وتكون السنوات الأولى من حياة الطفل فترة حاسمة خطيرة في تكوين شخصيته ، وتتلخص خطورتها في أن ما يغرس في أثنائها من عادات واتجاهات وعواطف ومعتقدات يصعب أو يستعصى تغييره أو استئصاله فيما بعد ، ومن ثم يبقى أثراً ملازماً للفرد في عهد الكبر ) [1] . وقبل ذلك بين رسولنا الكريم -صلى الله عليه وسلم- : » إنه ما من مولود يولد إلا ويولد على الفطرة ، فأبواه يهودانه أو يمجسانه « [2] ، ( هذه الفطرة لو ترك الطفل من غير تأثير لما كان إلا مسلماً ، ولكن الحجب قد تحول دونها بالتوجيه للاعتقادات الباطلة ) [3] . يقول ابن القيم-رحمه الله- : ( وأكثر الأولاد إنما جاء فسادهم من قبل الآباء وإهمالهم لهم وترك تعليمهم فرائض الدين وسننه ، فأضاعوهم صغاراً ، فلم ينتفعوا بأنفسهم ولم ينفعوا آباءهم كباراً ، كما عاتب بعضهم ولده على العقوق فقال : يا أبتِ إنك عققتني صغيراً ، فعققتك كبيراً ، وأضعتنى وليداً فأضعتك شيخاً ) [4] . لذا فواجب الأبوين المسلمين : رعاية الفطرة والاجتهاد في تحسين تربية أبنائهما ، ولا يكفل لهما النجاة يوم الحساب إلا أن يبذلا ما في وسعهما لصلاح رعيتهما ، وصيانة الفطرة من الانحراف ، » كلكم راع ، وكلكم مسؤول عن رعيته«. وفي ظل المجتمع المسلم ، يعرف كل فرد دوره ورسالته ، ويتحمل مسؤوليته متطلعاً إلى ما هو خير وأبقى من الدنيا الفانية ، وبالإسلام تعرف المرأة أنها ذات رسالة تؤجر عليها إن أدتها كما يريد الله سبحانه وتعالى . وهي رسالة تتناسب مع تكوينها الفطري . إنها المحضن الدافيء العطوف للأطفال .. فهي أقدر من الرجل على إرواء حاجات الطفل من المحبة والحنان وبقية حاجاته الأساسية ، التي لو حرم منها الطفل لعانى الكثير من المصاعب في مستقبل حياته . ( والطفل في سنواته الأولى على الأقل يحتاج إلى أم متخصصة لا يشغلها شيء عن رعاية الطفولة وتنشئة الأجيال ، وأن كل أمر تقوم به خلافاً لتدبير أمور البيت ، ورعاية الأطفال ، إنما يتم على حساب هؤلاء الأطفال ، وعلى حساب الجيل القادم من البشرية ) [5] . أما لوثة انشغال الأمهات ، فهي لوثة حديثة ، هاجمتنا مع دعاة الغزو الفكري لتهدم بنياننا من الداخل ، وتقبَّلها أتباع كل ناعق .. رغم أن العقلاء عند الأمم الغربية بدأوا يشكون من تمزق الأسرة ، وتتوالى صرخاتهم من تلك الديار تشكو انشغال الآباء ، وضياع الأبناء . فماذا حصَّل المجتمع ؟ ماذا لاقى الأطفال ؟ بل ماذا جنت المرأة نفسها ؟ ! لقد تحول كثير من بيوتنا إلى مسخ قاتم بدلاً من أن تكون جنة يتفيأ ظلالها جميع أفرادها . وصارت الكآبة تكلل الجميع ، بعد أن أتلف العمل كنز عواطفها وجفف ينابيعه . وأنَّى يلقى المجتمع العلاقات الإنسانية النبيلة ، التي وأدناها يوم أن عملت المرأة ، وتركت الأطفال يعيشون في أجواء يفقد فيها الحنان والحب والاستقرار . فالتعب والكدح قد أثقل كاهلها واستقطبا وقتها ، فحرمها من رحابة الصدر التي تعينها في توجيه أطفالها ومداعبتهم ، وأصبحت موزعة العواطف مشتتة الجهود ، لا تجد وقتاً تخلو فيه لحاجاتها الضرورية ، بل الراحة والاستقرار ، وإذا أكدنا على أهـمية المرأة ، ذلك لأن الطفل أكثر التصاقاً بها في سنوات العمر الأولى لحاجته الماسة إليها . إلا أن الأسرة ليست أمومة فحسب ، وإنما يكمل كل من الزوجين الآخر ولكل دوره . والمرأة والرجل قطبا الإنسانية - كما يقول مالك بن نبي -رحمه الله - [6] ، فالرجل بما يوفر لزوجته من سكن نفسي وطمأنينة وتأمين الكسب الذي يكفل لها ولأبنائها الحياة الكريمة لتؤدي مهمتها باطمئنان . وكلا الزوجين بلغة العصر ( الجندي المجهول ) الذي يربي الأجيال ، أو بالأحرى من الأخفياء الأتقياء ، يتعاونان في إعداد شباب المستقبل وأمهاته ، رغبة فى الأجر واحتساباً لما عند الله بعيداً عن الظهور والمحاراة ، وطمعاً بثواب صدقة مستمرة تبقى إلى ما بعد الموت . عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال : » إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث : صدقة جارية ، أو علم ينتفع به ، أو ولد صالح يدعو له « [7] . أما وقد أصبحت العادة في بعض البيوت أن تتنازل الأم عن دورها ، فتوكل إلى الخادمة أمر أطفالها ، إطعاماً ورعاية ، بل توجيهاً وتربية ، فذلك ضريبة أخرى تدفعها الأسر بدل عمل المرأة ، وإن كان الأمر لا يخلو من حالات أخرى تسند فيها الأم أعمالها إلى الخادمة ، ولعل من أسباب وجود هذه الظاهرة : 1 - كسل الأمهات . 2 - التهرب من المسئولية . 3 - التباهي في الرفاه والمظاهر الكاذبة ، والأنفة من القيام بواجبتهن الأسرية . والسبب الأصيل لكل ذلك هو : البعد عن التصور الحقيقي للإسلام . وتكون لطامة الكبرى عند استقدام الخادمة - الأجنبية الكافرة - فهي تنقل عادات قومها وقيمهم إلى أبناء أسرنا بسبب تأثيرها المباشر عليهم . وأصبح كثير من بيوتنا فيه خلط عجيب من الأخلاق والعادات والتقاليد . والواقع المحسوس يأتي بالمضحكات المبكيات . إن الرقي الحضاري لا يكمن في تأمين الرفاه وتوفير الخدم ، وإنما هو نتاج تربية واعية مدروسة ، لا تقدر عليها الخادمة ، وهي أمية غالباً ، وقد تكون على دين يخالف ديننا . والأب الأناني الذي تخلى عن واجبه الأسري دونما سبب ذي بال إلا أن يلهو مع أقرانه ، أو يشتغل بتنمية ماله .. فعهد إلى السائق أو الخادم أن يقوم بدور الأب ، هو الموجه وهو صاحب السلطان . وهكذا .. أصبح كثير من الأطفال - صانعي المستقبل - لا ارتباط حقيقي لهم بدينهم ولا بأسرهم ، بسبب هذا الوباء الذي عم كثيراً من الآباء والأمهات : الانهزامية والتهرب من المسئولية . فيا أختي المسلمة : لا اعتراض على وجود الخادمة ، إن كنت بحاجة إليها ، ولا تنسي أن لها مهمتها ولك مهمتك ، فلا تتنازلي لها راضية عن عملك أُمَّاً مربية لأطفالك وهذا أخص خصائصك .. ساعدي ابنك على البر بك . إن الحنان الذي يرافق إطعامك لطفلك ، والبسمة التي تشجعه إذا أصاب ، والنظرة العاتبة التي ترده إلى جادة الصواب إن أخطأ .. كل ذلك له الأثر الذي لا يمحى من ذاكرة الطفل . وأنت أيها الأب الكريم : ليسع عطفك ابنك ، وهذا هو خير عطاء تمنحه إياه ، إن دخولك المنزل تحمل الأغراض التي ساعدك بشرائها الخادم ، وتقدمها بيديك لزوجتك وأولادك لا يعوض عملك هذا ملء البيت ألعاباً وتحفاً وملابس وحلوى يباشر تقديمها لهم الخادم . والله أسأل أن يوفق أسرنا المسلمة إلى التربية البناءة الواعية . ________________________ (1) أصول علم النفس ، د أحمد عزت راجح ص 426 ، والتربية في الإسلام ، للأهوان ، ص 130 . (2) متفق عليه . (3) الفتاوى لابن تيمية4/247 . (4) تحفة المودود لابن القيم / 139 . (5) منهج التربية الإسلامية ، الأستاذ محمد قطب 108/2 . (6) شروط النهضة / 116 . (7) أخرجه البخاري في ( الأدب المفرد ) ، ومسلم في ( صحيحه ) (صحيح الجامع الصغير م 1/ 199) . =========================== المصدر : خولة درويش (( مجلة البيان ـ العدد [ 30 ] صــ 83 ذو الحجة 1410 ـ يوليو 1990 ))
أضف تعليقك
| |
|